القائمة
الصفحة الرئيسية / أوتت فيو / التوقعات الاقتصادية العالمية – يناير 2026

التوقعات الاقتصادية العالمية – يناير 2026

من المرجح أن يحدد شهر يناير 2026 ملامح سنة تتسم بالاعتدال في وتيرة النمو العالمي مع استمرار قدر من المتانة. وتبقى الولايات المتحدة الركيزة الأساسية، حيث تتركز أنظار الأسواق على ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ خفض أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل للجنة السوق المفتوحة (FOMC)، وعلى مدى سرعة استمرار تراجع التضخم.

ومن المتوقع أن يسجل كل من المملكة المتحدة ومنطقة اليورو نموًا ضعيفًا، مع تركيز الاهتمام على تقدم مسار خفض التضخم وتوقيت بدء التيسير النقدي من قبل بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي.

أما الصين فتواجه معادلة أكثر تعقيدًا، تتمثل في الحفاظ على هدف نمو عند 5% في ظل ضعف قطاع العقارات واستمرار التوترات التجارية. في المقابل، تواصل اليابان مسارها التدريجي نحو تطبيع السياسات النقدية بالتوازي مع توسع اقتصادي معتدل.

وقد تحقق الأسواق الناشئة أداءً أفضل نسبيًا، غير أن النتائج ستظل مرهونة باستقرار التجارة العالمية، وزخم الإصلاحات، والقدرة على إدارة تحديات عدم المساواة.

الولايات المتحدة

عزّز شهر ديسمبر 2025 ملامح سيناريو «الهبوط السلس» للاقتصاد الكلي، إذ ظل نمو الربع الرابع قويًا رغم تباطؤ الزخم، وتحسّنت بيانات التضخم بشكل ملحوظ (مع تراجع التوقعات أيضًا)، فيما بقيت بيانات سوق العمل متينة مع إشارات تباطؤ تدريجي فقط.
أبرز مواطن الاحتكاك خلال الشهر تمثلت في تسطّح الاستهلاك الحقيقي، وتفاوت أداء القطاع الصناعي، وضعف قطاع الإسكان الحساس لأسعار الفائدة، إلى جانب نقطة مراقبة تتعلق بتدفقات رأس المال وهي عوامل تدعم التفاؤل الحذر بدل الدعوة إلى تسارع جديد في النمو.

مراجعة ديسمبر

يُنظر إلى ديسمبر 2025 بوصفه شهرًا أكد بصورة إضافية نظام «الهبوط السلس» في الولايات المتحدة: بقي النمو قويًا لكنه هدأ على الهامش، وأصبح مسار خفض التضخم أكثر إقناعًا، فيما ظل سوق العمل متينًا رغم ظهور إشارات تباطؤ أوسع. التحول المحوري يتمثل في وصول تأكيد أوضح لتراجع التضخم (لا سيما مفاجأة مؤشر أسعار المستهلكين الإيجابية)، بالتزامن مع تسطّح الاستهلاك الحقيقي وتفاوت الصناعة، ما يعزز مبررات التيسير التدريجي خلال 2026 دون الإيحاء بحدوث تباطؤ حاد وشيك.

ظل النمو والنشاط في مسار بنّاء لكن مع تباطؤ طفيف. جرى خفض تقديرات نمو الربع الرابع، إذ تراجع تتبع نمو GDPNow من بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا من 3.8% إلى 3.5% وهو مستوى لا يزال «جيدًا» لكنه يشير إلى تراجع هامشي في الزخم. وتحت السطح، بقيت الدورة مدفوعة بالمستهلك: جرى تعديل نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث إلى 4.3% بمعدل سنوي، وارتفع الإنفاق الاستهلاكي الحقيقي بنسبة 3.5%. في المقابل، لم يُقدَّم التصنيع كمحرك رئيسي؛ إذ يشير التقرير إلى زخم صناعي غير متجانس وتوسع تقوده الخدمات. وذُكرت السيارات كنقطة مضيئة نسبية، مع ارتفاع مبيعات المركبات إلى 15.6 مليون وحدة من 15.3 مليون، ما وفّر دعمًا متأخرًا لنشاط السلع مع تباطؤ مكونات أخرى.

يُقدَّم التضخم كأوضح تطور إيجابي في الشهر. وُصف مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (سبتمبر) بأنه متوافق مع مسار تدريجي لخفض التضخم (0.2% على أساس شهري و2.8% سنويًا، انخفاضًا من 2.9%). اللافت في تجميع بيانات الشهر هو مفاجأة الهبوط في مؤشر أسعار المستهلكين لشهر نوفمبر: تباطأ التضخم العام إلى 2.7% سنويًا (مقابل 3.1% متوقع و3.0% سابق)، والأساسي إلى 2.6% سنويًا (مقابل 3.0% متوقع و3.0% سابق). كما تحسّنت توقعات التضخم في مسح ميشيغان، حيث تراجعت توقعات السنة الواحدة إلى 4.1% (من 4.5%) وتوقعات الخمس سنوات إلى 3.2% (من 3.4%). الخلاصة أن خفض التضخم «بات أكثر رسوخًا»، ما يقلل الحاجة إلى بقاء السياسة النقدية شديدة التقييد، شريطة أن يبرد النشاط بشكل منظم.

ظل المستهلكون المحرك الأساسي، لكن التقرير يؤكد تباطؤًا ملموسًا في زخم الإنفاق الحقيقي. فقد كان الدخل الشخصي إيجابيًا (+0.4% شهريًا، أعلى من التوقعات)، إلا أن الإنفاق الشخصي تباطأ إلى +0.3% من +0.5%، بينما استقر الاستهلاك الشخصي الحقيقي عند 0.0% بعد +0.2%. كما أشارت بيانات الائتمان إلى قدر من الانضباط، إذ ارتفع ائتمان المستهلكين بنحو 9.18 مليارات دولار فقط في أكتوبر (أقل من التوقعات والقراءة السابقة)، بما يتسق مع تأثير تشديد الأوضاع المالية على الإنفاق المعتمد على الائتمان. تحسّن المزاج في بعض المقاييس، لكن الثقة العامة كانت مختلطة ما يدعم فكرة أن الأسر لا تزال تنفق، ولكن دون حماسة مفرطة.

توصَف أوضاع سوق العمل بأنها «تباطؤ دون تصدّع». تُظهر البيانات الأسبوعية خلال فترة الأربعة أسابيع تقلبًا دون تدهور حاسم: قراءة أشارت إلى تراجع طلبات إعانة البطالة الأولية إلى 191 ألفًا، بينما أظهرت قراءات لاحقة ارتفاعها إلى 236 ألفًا مع انخفاض الطلبات المستمرة وهو ما يتسق مع تباطؤ تدريجي لا مع هبوط حاد. كما تراجعت إعلانات تسريح العمال (تشالنجر) بقوة في نوفمبر (إلى 71.3 ألفًا من 153.1 ألفًا)، ما يعزز الرأي القائل بأن خطط التسريح لدى الشركات لم تكن تتسارع في الفترة المغطاة. وهذا مهم لأطروحة «الهبوط السلس» لأن متانة سوق العمل تساند الاستهلاك حتى مع تسطّح نمو الإنفاق الحقيقي.

يعزز التباين بين التصنيع والخدمات والإسكان هيكل «السرعتين». فقد ظلت مؤشرات مديري المشتريات الأولية لشهر ديسمبر توسعية (التصنيع 51.8، الخدمات 52.9، المركب 53.0)، بما يؤكد قيادة الخدمات. في المقابل، كانت مسوحات المصانع الإقليمية أضعف وأكثر تقلبًا (فيلادلفيا -10.2؛ كانساس سيتي -3)، ما ينسجم مع الاستنتاج بأن التصنيع لا يقود الدورة. ويُوصف قطاع الإسكان بأنه في طور الاستقرار لكنه لا يزال حساسًا لأسعار الفائدة: تحسنت مبيعات المنازل القائمة بشكل طفيف (4.13 مليون، +0.5% شهريًا)، وارتفع مؤشر NAHB هامشيًا (39 من 38)، إلا أن طلبات الرهن العقاري كانت ضعيفة وظلت شروط التمويل قيدًا (معدل الرهن لمدة 30 عامًا وفق MBA قرب 6.38%).

تنقسم التجارة والمالية العامة وتدفقات رأس المال بين إشارات داعمة على المدى القريب ونقطة مراقبة ذات صلة بالأسواق. فقد تحسّن الميزان التجاري مع ارتفاع الصادرات إلى 289.3 مليار دولار والواردات إلى 342.1 مليار دولار، ليتقلص العجز إلى -52.8 مليار دولار (أفضل من المتوقع). كما تحسّن العجز الفيدرالي في نوفمبر إلى -173.0 مليار دولار. أما القلق الرئيسي فهو ضعف تدفقات رأس المال الدولية (TIC)، حيث تحولت مشتريات الأجانب من سندات الخزانة الأمريكية إلى السالب (-61.2 مليار دولار من +25.1 مليار)، وبلغ صافي تدفقات رأس المال -37.3 مليار دولار (من +184.3 مليار). لا يُعرض ذلك كصدمة كلية فورية، لكنه يرتبط بديناميكيات علاوة الأجل وارتياح الأسواق لسردية التيسير المستدام.

تُصاغ السياسة والأوضاع المالية ضمن إطار «التفاؤل الحذر». خفّض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة إلى 3.75% من 4.00% مع الإبقاء على توقعات المسار دون تغيير عبر الآفاق الزمنية؛ وميلت الأسواق إلى النبرة التيسيرية مع تراجع عوائد الأجل القصير. أما الأطراف الأطول أجلًا فكانت أقل تعاونًا، ما يعكس علاوة الأجل وعدم اليقين (بما في ذلك ارتفاع عائد السندات لأجل 30 عامًا في أسبوع المزاد المشار إليه)، إلى جانب تقلبات أسبوعية في الاحتياطيات ومقاييس الميزانية العمومية والسيولة. ولم تُعد مؤشرات الطاقة محركًا كليًا مهيمنًا، لكنها كانت متسقة مع ظروف عرض مستقرة.

الاقتصاد الأمريكي – توقعات يناير 2026

بالنظر إلى المستقبل، تنطلق توقعات الاقتصاد الأمريكي لشهر يناير 2026 من قاعدة تتمثل في «متانة ميزانيات الأسر وتراجع قيود سلاسل الإمداد»، مع الإشارة إلى رياح معاكسة محتملة ناتجة عن ارتفاع الرسوم الجمركية والتأثيرات المتأخرة لتشديد السياسة النقدية في وقت لاحق من عام 2026. ويؤكد التقرير على ازدحام أجندة يناير بالبيانات، أبرزها: مؤشر ISM الصناعي (5 يناير)، بيانات ADP وISM للخدمات (7 يناير)، تقرير الوظائف (9 يناير)، مؤشر أسعار المستهلكين CPI (13 يناير)، مؤشر أسعار المنتجين PPI إلى جانب مبيعات المنازل القائمة (14 يناير)، إضافة إلى إصدارات لاحقة خلال الشهر تشمل مبيعات التجزئة، والإنتاج الصناعي، وبدايات وتصاريح الإسكان، وبيانات الناتج المحلي الإجمالي ومؤشرات نفقات الاستهلاك الشخصي في نهاية الشهر.

وبخصوص اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) المقرر في 27–28 يناير، فإن السيناريو الأساسي يتمثل في الإبقاء على سعر الفائدة ضمن النطاق الحالي 3.50%–3.75%. ويُوصف شهر يناير بأنه «كثيف على صعيد التواصل» في ظل غياب التوقعات الاقتصادية المحدثة (SEP) ومخطط النقاط (dot plot)، إلى جانب التناوب السنوي في عضوية المصوّتين. ويسلط التقرير الضوء على بيانات CPI (13 يناير) وتقرير الوظائف (9 يناير) كأهم المدخلات الحاسمة، إلى جانب تساؤلات تتعلق بالأوضاع المالية وآلية تنفيذ ميزانية البنك المركزي. كما يُعرض إطار نوعي للسيناريوهات: السيناريو الأساسي «تثبيت + الترقب»، وتثبيت بنبرة متشددة (التركيز على مخاطر التضخم)، وتثبيت بنبرة تيسيرية (مخاطر هبوط سوق العمل)، واحتمال ضعيف لخفض مفاجئ للفائدة ما لم «تتدهور البيانات بشكل ملموس» قبل الاجتماع.

أخيرًا، يُنظر إلى الأسواق من زاوية قائمة على الأحداث وباتجاهين محتملين. بالنسبة للدولار الأمريكي، يتمثل السيناريو الأساسي في تحركات ضمن نطاق، مع اعتبار بيانات CPI والوظائف المحفزات الأوضح لتحديد الاتجاه، بينما تبقى رسائل الاحتياطي الفيدرالي عامل الترجيح. ويُوصف المسار بأنه ميل طفيف إلى القوة أو التحرك الجانبي لمؤشر الدولار (DXY) في مطلع يناير قرب مستوى 98، يتبعه ارتفاع في التقلبات مع تفاعل الأسواق مع بيانات التضخم والوظائف ثم نافذة اجتماع الفيدرالي. أما أسهم الولايات المتحدة، فلا يزال الانحياز العام إيجابيًا (مدفوعًا بإنفاق الذكاء الاصطناعي، ومتانه الأرباح، ومسار خفض الفائدة المتوقع)، إلا أن يناير يُصوَّر كشهر ثنائي الاتجاه هيكليًا، إذ إن توجيهات الأرباح وصياغة رسائل الفيدرالي قد تعيدان تسعير مسار عام 2026، ما يرفع احتمالات تداول متقلب بدل اتجاه واضح ومستمر.

المراجعة الاقتصادية البريطانية وتوقعات يناير 2026

من المرجّح أن يكون شهر يناير 2026 في المملكة المتحدة شهرًا للتحقق من البيانات أكثر منه شهرًا لاتخاذ قرارات سياسية. فمزيج تضخم معتدل وتباطؤ نمو الأجور من شأنه أن يشجّع الأسواق على تسعير مسار تيسير أكثر سلاسة، ويدعم الأصول البريطانية الحساسة لأسعار الفائدة. في المقابل، فإن استمرار تضخم الخدمات عند مستويات مرتفعة أو عودة تسارع نمو الأجور سيُبقي بنك إنجلترا في موقف حذر، ويعزّز السيناريو الأساسي لنمو ضعيف في ظل أوضاع تقييدية.

مراجعة ديسمبر 2025 في المملكة المتحدة

تعكس بيانات ديسمبر 2025 اقتصادًا بريطانيًا يعمل قرب حدّ التوقف. فقد كان النمو مسطحًا إلى سلبيًا على الهامش، واستمر الطلب المحلي في التراجع تحت وطأة تشديد الأوضاع المالية، بينما ظل قطاع البناء عبئًا واضحًا. العامل الإيجابي الأبرز كان تحسّن مسار خفض التضخم؛ إذ أسهم تراجع مؤشر أسعار المستهلكين واقتراب تضخم أسعار المتاجر من الصفر في تحسين الخلفية السياسية ومنح بنك إنجلترا مساحة لبدء التيسير. إلا أن الانقسام الضيق في تصويت لجنة السياسة النقدية (MPC) يبرز تحوّلًا حذرًا يعتمد على البيانات، وليس بداية دورة خفض حادة لأسعار الفائدة.

كانت مؤشرات النشاط متسقة مع ديناميكيات ضعيفة ذات سرعتين. فقد أشارت المسوح إلى زخم محدود: بقيت الخدمات إيجابية بشكل طفيف، وكان التصنيع شبه مستقر، بينما ظل البناء في انكماش عميق (مؤشر مديري المشتريات لقطاع البناء 39.4). وجاءت البيانات الفعلية متماشية مع هذه الصورة، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي الشهري بنسبة -0.1% على أساس شهري، كما جاءت قراءة الثلاثة أشهر/ثلاثة أشهر سلبية، فيما أظهرت تقديرات المتابعة أن الزخم لم يتحسّن بشكل ملموس حتى نوفمبر. وتحت السطح، شكّلت الخدمات قيدًا رئيسيًا (مؤشر الخدمات 0.0%)، وبينما تعافى الإنتاج على أساس شهري، ظل سلبيًا على أساس سنوي وهو ما ينسجم أكثر مع الاستقرار لا مع إعادة تسارع مستدامة.

تحسّن التضخم بشكل واضح خلال نافذة الأسابيع الأربعة. فقد تراجع التضخم العام إلى 3.2% سنويًا (مع -0.2% شهريًا)، كما انخفض التضخم الأساسي إلى 3.2% سنويًا. وهدأت تسعير التجزئة بشكل حاد، إذ تباطأ مؤشر أسعار المتاجر الصادر عن BRC إلى 0.6% سنويًا، بما يتوافق مع خفض تضخم السلع وزيادة الخصومات. وبدت ضغوط سلسلة الإمداد مختلطة لكنها غير مقلقة، ما يعزز الرأي بأن مخاطر التضخم أصبحت أكثر توازنًا.

ظلّت بيانات جانب الطلب ضعيفة. فقد خيّبت مبيعات التجزئة الآمال مجددًا (العنواني -0.1% شهريًا؛ الأساسي -0.2% شهريًا)، وكانت مؤشرات السلع المعمّرة ضعيفة، بما في ذلك تسجيلات السيارات (-1.6% سنويًا). وتباطأت ديناميكيات الائتمان (ائتمان المستهلكين 1.119 مليار جنيه إسترليني)، كما انكمش المعروض النقدي الواسع (-0.2% شهريًا)، بما يتسق مع إنفاق مقيد. وتباطأ سوق العمل تدريجيًا مع استقرار البطالة عند 5.1% لكن نمو الأجور ظل مرتفعًا نسبيًا (الأجور باستثناء المكافآت 4.6%)، ما يدعم حذر لجنة السياسة النقدية. وكانت أسعار المساكن شبه راكدة، واستمر النشاط مقيدًا بفعل ارتفاع معدلات الرهن العقاري (6.81%). وعلى الصعيد الخارجي، شكّل الميزان التجاري عامل ضغط مع اتساع العجز، إلا أن الحساب الجاري تحسّن، وكان الاستثمار في الأعمال (+1.5% ربع سنوي) نقطة مضيئة نسبية.

آفاق الاقتصاد في المملكة المتحدة — يناير 2026

تدخل المملكة المتحدة شهر يناير 2026 في وضع هش، بعد أن تجنّبت بصعوبة الدخول في ركود خلال عام 2025. فزخم النمو ضعيف، وتواجه ميزانيات الأسر ضغوطًا متجددة بفعل ارتفاع تكاليف الاقتراض، بينما يواصل ضعف سوق الإسكان تقويض الثقة والإنفاق الاختياري. ولا تزال الرياح الهيكلية المعاكسة ولا سيما ضعف الإنتاجية تضغط على النمو المحتمل، في حين تبقى معنويات الأعمال حذرة وسط عدم اليقين بشأن استدامة الطلب واستمرار الاحتكاكات التجارية. ويتمثل عامل الدعم الرئيسي المحتمل في مسار خفض التضخم؛ إذ إن تراجع ضغوط الأسعار واحتمال تنفيذ مزيد من خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا لاحقًا في عام 2026 قد يسهمان تدريجيًا في دعم الدخل الحقيقي والقدرة الشرائية. كما ستراقب الأسواق إشارات السياسة المالية قبيل الانتخابات العامة، نظرًا لأن أي تحديثات قد تؤثر في الثقة وتوقعات النمو.

وتظل توقعات الإجماع ضعيفة. إذ تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة بنحو 1.2% في عام 2026، وهو أقل من المتوسط العالمي. ولا يزال التضخم أعلى من هدف بنك إنجلترا البالغ 2%، لكنه يُتوقع أن يتباطأ خلال 2026؛ غير أن استمرار نمو الأجور عند مستويات مرتفعة قد يبطئ وتيرة التيسير. ومن المهم الإشارة إلى عدم انعقاد اجتماع للجنة السياسة النقدية (MPC) في يناير إذ يُعقد الاجتماع التالي في 5 فبراير ما يجعل يناير «شهر التهيئة»، حيث تقود البيانات وتصريحات صناع السياسات إعادة تسعير الأسواق.

ويأتي جدول يناير مزدحمًا بالبيانات. ففي مطلع الشهر، ستوفر المؤشرات الآنية الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) في 8 يناير إشارات سريعة حول الحركة، وسلوك المستهلكين، وأوضاع الأعمال. ويُعد يوم 15 يناير محطة رئيسية، حيث ستكشف بيانات الناتج المحلي الإجمالي الشهري لشهر نوفمبر، والإنتاج، ومخرجات البناء، وبيانات التجارة عمّا إذا كان النشاط قد استقر أو تراجع في أواخر 2025. وتشمل التحديثات منتصف الشهر أسعار المساكن من Rightmove، تليها بيانات سوق العمل (بطالة ILO والأجور)، التي ستُراقَب عن كثب بحثًا عن دلائل على اتساع الفجوة واستمرار ضغوط الأجور. وفي وقت لاحق من الشهر، سيختبر تقرير مؤشر أسعار المستهلكين لشهر ديسمبر ما إذا كان خفض التضخم يمتد إلى الخدمات المحلية التي لا تزال مرتفعة ومرتبطة بالأجور تليه بيانات مبيعات التجزئة ومؤشر ثقة المستهلك GfK لقياس زخم الطلب مع بداية العام الجديد.

أما بالنسبة للأسواق، فإن «بوابة» يناير الأساسية تتمثل في ما إذا كان تباطؤ التضخم سيتجاوز السلع والطاقة ليشمل الخدمات. وفي ظل غياب قرار لأسعار الفائدة، قد تقود الإصدارات الفردية تحركات كبيرة في العوائد البريطانية والجنيه الإسترليني. وتميل المخاطر إلى الجانب السلبي: فالتباطؤ الأسرع في سوق العمل قد يعيد مخاوف الركود ويقدّم توقعات خفض الفائدة، في حين أن استمرار ارتفاع تضخم الخدمات والأجور قد يؤخر التيسير ويخلق بيئة أقرب إلى «ركود تضخمي خفيف» بالنسبة للأصول البريطانية.

آفاق منطقة اليورو — يناير 2026 ومراجعة ديسمبر 2025

يُعد شهر يناير 2026 شهر «البيانات والتواصل» لمنطقة اليورو. ومع انعقاد الاجتماع المقبل لمجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي في 4–5 فبراير، ستستخدم الأسواق إشارات التضخم والأجور والنشاط خلال يناير لتقييم ما إذا كان مسار خفض التضخم متينًا بما يكفي للإبقاء على ميل 2026 نحو التيسير التدريجي، أم أنه لا يزال مرتفعًا، لا سيما في قطاع الخدمات ونمو الأجور. بما يبرر فترة تثبيت أطول.

عزّز تدفق البيانات الكلية خلال نافذة الأسابيع الأربعة في ديسمبر 2025 نظام «نمو بطيء + تضخم أنظف». فقد تحسّنت المؤشرات الرئيسية بشكل متواضع واستمر التوظيف في الارتفاع الطفيف، لكن الزخم الكامن ظل هشًا لأن التصنيع خصوصًا في ألمانيا وفرنسا بقي ضعيفًا، كما ظلت ديناميكيات أسعار المنتجين لينة. ومع إبقاء البنك المركزي الأوروبي على سياسته دون تغيير، تحوّل التركيز نحو التوجيهات ومتابعة الأجور بوصفها «البوابة» الأساسية لأي نقاش حول التيسير في 2026.

أشارت بيانات النمو إلى توسّع بطيء بدل التوقف. إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو في الربع الثالث بنسبة 0.3% على أساس ربعي، وارتفع التوظيف بنسبة 0.2% ربعيًا. وكانت البيانات الصلبة على مستوى الدول متباينة لكنها منسجمة عمومًا مع سردية «الارتفاع التدريجي»: تحسنت مبيعات التجزئة في إيطاليا خلال أكتوبر، وكان الإنتاج الصناعي الفرنسي إيجابيًا بشكل طفيف، وبقي الإنتاج الصناعي الإسباني إيجابيًا على أساس سنوي. ولاحقًا خلال الفترة، ظلت الإشارات الصناعية غير متجانسة، ما أبقى دفعة النمو مستقرة دون تسارع.

واصلت المسوح توصيف اقتصاد ذي سرعتين. فقد بقيت مؤشرات مديري المشتريات (PMIs) في المجمل توسعية وتقودها الخدمات، بينما ظل التصنيع أضعف وأكثر تباينًا عبر دول التكتل، مع استمرار ألمانيا وفرنسا كنقطتي ضعف رئيسيتين. والخلاصة العملية أن الطلب المحلي والخدمات يحملان الدورة الاقتصادية، في حين لم يقدّم التصنيع بعدُ تسارعًا واضحًا على مستوى منطقة اليورو.

ظلت بيانات التضخم بنّاءة. فقد دار التضخم العام حول 2.1%–2.2% سنويًا، بينما استقر التضخم الأساسي قرب 2.4% سنويًا، وجاءت القراءات الشهرية سالبة. وكانت ضغوط السلسلة ضعيفة؛ إذ لم ترتفع أسعار المنتجين إلا هامشيًا على أساس شهري وبقيت أقل على أساس سنوي، ما يشير إلى ضغوط تكاليف محدودة في المراحل الأولية. واستمر التباين بين الدول (ليونة شديدة في فرنسا مقابل مستويات أقوى في ألمانيا وإسبانيا)، ما يعزز نهج البنك المركزي الأوروبي القائم على الصبر والاعتماد على البيانات.

بدت أوضاع سوق العمل مستقرة أكثر منها متدهورة، مع استقرار البطالة في منطقة اليورو عند 6.4% وإشارات وطنية متباينة. وبالنسبة لصنّاع السياسات، كانت النقطة الأهم هي اعتدال قراءات الأجور وتكاليف العمل في الربع الثالث؛ وإذا استمر ذلك، فإنه يدعم الرأي القائل بإمكانية استمرار خفض تضخم الخدمات. وأشارت مؤشرات المستهلك إلى أن الطلب صامد لكنه لا يعاود التسارع: فقد كانت مبيعات التجزئة مستقرة شهريًا في أكتوبر لكنها إيجابية سنويًا، في حين تراجعت تسجيلات السيارات في الاتحاد الأوروبي على أساس متسلسل في نوفمبر على مستوى التكتل.

خارجيًا، قدّم القطاع دعمًا طفيفًا لكنه لم يكن محرك نمو حاسمًا. فقد تحسّنت موازين فرنسا خلال الفترة المشار إليها، بينما تقلّص فائض ألمانيا، ووُصف الحساب الجاري لمنطقة اليورو عمومًا بأنه داعم بشكل معتدل في الجزء اللاحق من الملخص. وكانت أوضاع التمويل مستقرة عمومًا عبر مزادات السندات في الدول الأساسية وشبه الأساسية، مع ظهور جيوب حساسية متفرقة في إيطاليا.

مع دخول يناير، يتسم الإطار الكلي بكونه «بطيئًا لكنه في طور الاستقرار»: نمو متواضع وغير متجانس إلى جانب مسار خفض تضخم قائم لكنه لا يزال بحاجة إلى تأكيد في المكونات اللزجة. وقد أبقى قرار البنك المركزي الأوروبي في 18 ديسمبر أسعار الفائدة دون تغيير (سعر تسهيلات الإيداع 2.00%)، وتشير توقعات الخبراء إلى متوسط تضخم عام يقارب 1.9% في 2026 ونمو بنحو 1.2% في 2026. وقد تتباين التوقعات في شهر بين الاجتماعين: فاستطلاعات الاقتصاديين مالت إلى التثبيت حتى نهاية 2026، بينما أشارت عقود أسعار الفائدة الآجلة إلى نحو خفض واحد بمقدار 25 نقطة أساس.

ما يهم أكثر في يناير هو: (1) ما إذا كان تضخم الخدمات وديناميكيات الأجور يواصلان التباطؤ، (2) ما إذا كانت قناة الصناعة/الصادرات تُظهر استقرارًا أوضح، و(3) ما إذا كان التباين بين الدول يتسع أم يتقلص. وتشمل المواعيد الرئيسية: التقدير الأولي لمؤشر الأسعار المنسق (SAHICP) لمنطقة اليورو في 7 يناير، والقراءة النهائية في 19 يناير، والتقدير الأولي لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو للربع الرابع 2025 في 30 يناير

وهي بيانات ستُشكّل التوقعات لاجتماع فبراير. وبوجه عام، يضع يناير مدرج الانطلاق لقرار البنك المركزي الأوروبي في فبراير.

آفاق الاقتصاد الصيني — يناير 2026

تدخل الصين مطلع عام 2026 وسط توقعات واسعة بأن يستهدف صناع السياسات نموًا يقارب 5% من الناتج المحلي الإجمالي بهدف تثبيت النشاط وتقليص مخاطر الانكماش السعري. ويرى المستشارون أن تحقيق هذا الهدف يتطلب استمرار الدعمين المالي والنقدي في ظل ثلاثة عوامل ضغط مستمرة: ركود مطوّل في قطاع العقارات، فائض الطاقات الإنتاجية، وضعف الطلب المحلي. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن يتباطأ النمو نحو نحو 4.4% في عام 2026 مع تراجع الزخم المالي وازدياد تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية، فيما يرجّح اقتصاديون أن يستأنف بنك الشعب الصيني خفض أسعار الفائدة ومتطلبات الاحتياطي في مطلع 2026 بعد توقفه أواخر 2025.

مراجعة ديسمبر 2025

بقي المشهد الاقتصادي في ديسمبر أقرب إلى «تباطؤ تدريجي» منه إلى تعافٍ واضح. إذ تراجع اتساع النشاط إلى ما دون المستوى المحايد، مع هبوط مؤشر مديري المشتريات المركب الرسمي إلى 49.7، واستمرار التصنيع في منطقة الانكماش عند 49.2، وتراجع غير الصناعي إلى 49.5 ما يشير إلى أن الخدمات والبناء لم يعودا يعوضان بانتظام ضعف الصناعة. كما عززت مسوح «كايكسين» النبرة الحذرة لدى الشركات الأصغر والأكثر انكشافًا على السوق: انخفض التصنيع إلى 49.9، وتباطأت الخدمات وإن بقيت في منطقة التوسع إلى 52.1. والخلاصة العملية أن الاقتصاد يقترب من حالة شبه ركود: ضعف في التصنيع، فقدان الخدمات للزخم، وتراجع الزخم الكلي إلى ما دون سرعة التوقف بقليل.

يبقى قطاع العقارات العبء الهيكلي المركزي وأكبر قيد على الثقة وآلية انتقال السياسات. فالتوقعات تشير إلى مسار تصحيح متعدد السنوات: من المرجح أن تستمر أسعار المنازل في التراجع حتى عام 2026، مع تأجيل الاستقرار إلى 2027. ويؤدي استمرار انخفاض الأسعار إلى إضعاف أثر الثروة لدى الأسر، والضغط على ميزانيات المطورين والحكومات المحلية، وتقليص فعالية التحفيز القائم على الائتمان في توليد طلب مستدام.

كما تبدو آلية انتقال السياسة المالية ضعيفة. فقد سعت البنوك إلى إدارة الهوامش عبر سحب الودائع الأعلى عائدًا والأطول أجلًا وتوجيه المدخرين نحو آجال أقصر، إلا أن الأسر لا تزال تميل إلى التحوط، محافظةً على مستويات ادخار مرتفعة في ظل عدم اليقين العقاري. ورغم تحسّن تدفقات الائتمان على أساس شهري إذ ارتفعت القروض الجديدة إلى 390 مليار يوان وقفز إجمالي التمويل الاجتماعي (TSF) إلى 2.49 تريليون يوان فإن المؤشرات الأوسع تراجعت قليلًا (نمو عرض النقد M2 إلى 8.0% سنويًا؛ ونمو القروض إلى 6.4% سنويًا)، ما يوحي بدعم موجّه لا بتسارع سيولة شامل.

يظل القطاع الخارجي الدعامة الأساسية. فقد انتعشت الصادرات (+5.9% سنويًا) واتسع الفائض التجاري (111.7 مليار دولار)، فيما جاءت الواردات دون التوقعات (+1.9% سنويًا)، بما يتسق مع ضعف الطلب المحلي. ولا يشكّل التضخم القيد الأساسي حاليًا: إذ إن مؤشر أسعار المستهلكين إيجابي بشكل طفيف، بينما يظل مؤشر أسعار المنتجين في حالة انكماش، ما يعكس ضعف القوة التسعيرية في المراحل الأولية. وظلت السياسة داعمة ولكن بشكل تدريجي، مع تثبيت معدلات الإقراض المرجعية (LPR) عند 3.00% لأجل عام و3.50% لأجل خمس سنوات. وتشمل نقاط المراقبة في يناير: عودة مؤشرات PMI إلى ما فوق 50، واستقرار ملموس في قطاع العقارات، واستمرار زخم TSF مع تحوله نحو الطلب الخاص، وأي تسارع سياسي ذي معنى واستجابة الأسواق له.

ما المتوقع للاقتصاد الصيني في يناير 2026

تبدأ الصين يناير 2026 وسط موازنة الأسواق بين طموح رسمي للنمو ودورة محلية لا تزال هشة. فمن المتوقع أن يستهدف صناع السياسات نموًا بنحو 5% لعام 2026، لكن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ترجّح تباطؤه إلى قرابة 4.4% مع انحسار الأثر المالي وازدياد وطأة الرسوم الجمركية الأمريكية. وفي هذا السياق، يتوقع المستثمرون أن يستأنف بنك الشعب الصيني دعم السياسة في مطلع 2026 عبر خفض أسعار الفائدة و/أو متطلبات الاحتياطي بعد توقفه أواخر 2025.

يُعد يناير عمليًا شهر «إعادة ضبط» اقتصادي. والسؤال الجوهري هو ما إذا كانت نتائج الربع الرابع والحصيلة السنوية تُظهر أن الدعم السياسي يترجم إلى تحسّن فعلي في الطلب المحلي. ولا تزال الصادرات عامل تثبيت، لكن تسعير أصول المخاطر الصينية سيتوقف على ما إذا كان الاستهلاك والاستثمار الخاصان سيكفّان عن فقدان الزخم. وإذا ظل مزيج النمو معتمدًا أساسًا على الطلب الخارجي، فقد تبقى الأسواق حذرة وتميل إلى تسعير مزيد من التحفيز التدريجي.

تظل مخاطر الانكماش السعري العبء الأكبر، لا سيما عبر انكماش أسعار المنتجين (PPI). فاستمرار ضعف أسعار بوابة المصنع يضغط على هوامش الشركات، ويثبط الإنفاق الرأسمالي الخاص، ويُبقي الدورة عرضة لصدمات الثقة. ومع ذلك، فإن مسار التيسير ليس مفتوحًا بلا حدود. فقد حافظ بنك الشعب الصيني على نهج متوازن، يوازن بين دعم النمو وأهداف الاستقرار المالي واعتبارات سعر الصرف. ولم تتغير أسعار السياسة المرجعية في ديسمبر (LPR لعام واحد 3.00%، وخمس سنوات 3.50%؛ واتفاقية إعادة الشراء العكسية لأجل 7 أيام عند 1.40%)، لذا يتركز اهتمام يناير على ما إذا كانت الأسعار الضعيفة والطلب الهش ستفرض إشارات تيسير أوضح، أم أن السلطات ستواصل الاعتماد على الائتمان الموجّه وعمليات السيولة.

سيكون انتقال الائتمان وخاصة عبر الإسكان عامل الحسم اللحظي. فقد أظهرت ديناميكيات أواخر 2025 تحسنًا في دفعة الائتمان الاسمية، لكن اقتراض الأسر ظل محدودًا في ظل الركود العقاري المطوّل. وسيختبر يناير ما إذا كانت دفعة الائتمان القوية موسميًا في بداية العام ستترجم إلى استقرار في الرهون العقارية، وتحسن في ائتمان الأسر، وتمويل «استكمال المشاريع» بما يعيد الثقة في تسليم المساكن. وقد أشارت بكين إلى عام 2026 بوصفه عامًا محوريًا لاستقرار الإسكان عبر التجديد الحضري، وسياسات محلية مخصصة، وتوسيع الإسكان الميسر، ودعم التمويل وهو ما يشكّل التوقعات حتى وإن كان التنفيذ تدريجيًا.

يبقى الطلب الخارجي داعمًا، لكنه مصحوب بمخاطر عناوين السياسة التجارية. فالقانون الجديد للتجارة الخارجية (النافذ في مارس 2026) يعزز أدوات الصين للرد على الضغوط الخارجية، وحتى الإشارات المسبقة قبل التطبيق قد تؤثر في معنويات يناير وتضيف «علاوة توتر/رسوم» إلى التسعير.

تشمل الأحداث الرئيسية في يناير: بيانات CPI وPPI في 9 يناير، وحزمة «الأداء الاقتصادي الوطني» في 19 يناير، ومؤشرات PMI في 31 يناير. وستتركز نقاط المراقبة على إثبات تحسّن الطلب المحلي مقابل نمو قائم على الصادرات فقط، واستمرار مخاطر الانكماش (خصوصًا PPI)، وأي تحول من «الدعم المتدرج» إلى توجيه تيسيري أوضح بما ينعكس على اليوان، وأسعار الفائدة، وقيادة أسواق الأسهم.

آفاق الاقتصاد الياباني — يناير 2026 مع مراجعة ديسمبر

تدخل اليابان شهر يناير 2026 في مرحلة انتقالية على صعيد السياسات، مع تقدّم مسار تطبيع السياسة النقدية لبنك اليابان في وقت يبدو فيه الطلب المحلي غير متوازن. وتتوقع الحكومة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 1.3% في السنة المالية 2026 (ارتفاعًا من 1.1% في السنة المالية 2025)، مدعومًا بحزمة تحفيز جديدة تهدف إلى تعزيز الاستهلاك والإنفاق الرأسمالي. في المقابل، تتبنى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) نظرة أكثر حذرًا، إذ تتوقع تباطؤ النمو في السنة التقويمية 2026 إلى نحو 0.9%. ومن المرجح أن يبقى التضخم أعلى قليلًا من هدف بنك اليابان البالغ 2%، ما يُبقي الميل نحو التشديد قائمًا. ومن المقرر عقد أول اجتماع للسياسة النقدية في عام 2026 يومي 22–23 يناير، ما يجعل يناير شهرًا محوريًا لإعادة تسعير وتيرة وحدود التطبيع الإضافي.

مراجعة الاقتصاد الياباني — ديسمبر 2025

أظهرت بيانات الأسابيع الأربعة في ديسمبر اقتصادًا «غير متوازن لكنه غير منهار». فقد ضعف الطلب المحلي، ولا سيما الاستهلاك الأسري، بشكل ملموس، في حين بقيت المؤشرات الاستشرافية والطلب الخارجي أكثر دعمًا. وأكد الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث تباطؤ النمو، مسجلًا انكماشًا قدره -0.6% على أساس ربعي (معدل سنوي -2.3%)، إذ فاق ضعف الاستثمار الرأسمالي وأثر صافي التجارة السلبي الدعم المحدود من الاستهلاك. وعكست بيانات المسوح صورة اقتصاد ذي سرعتين: ظلت الخدمات في منطقة التوسع (مؤشر مديري المشتريات للخدمات 52.5) وبقي المؤشر المركب فوق 50 (51.5)، بينما ظل التصنيع في منطقة الانكماش (49.7). وكانت بيانات النشاط الفعلية متقلبة إذ تحسّن الإنتاج الصناعي في أكتوبر ثم تراجع بقوة في نوفمبر (-2.6% شهريًا)، رغم أن خطط الإنتاج أشارت إلى تعافٍ قريب الأجل.

وكان الضعف الأبرز في الاستهلاك. فقد انخفض إنفاق الأسر بنسبة -3.0% على أساس سنوي و-3.5% على أساس شهري، وهو تدهور حاد يرفع مخاطر الهبوط على الطلب المحلي في الربع الرابع. ورغم تحسّن طفيف في المعنويات (مؤشر ثقة الأسر 37.5)، فإنها ظلت متسقة مع الحذر. أما مبيعات التجزئة فكانت إيجابية بشكل طفيف سنويًا (+1.0%) لكنها أظهرت تباطؤًا في الزخم.

ظل التضخم أعلى من الهدف، لكنه أظهر تباطؤًا انتقائيًا. فقد بلغ التضخم الأساسي الوطني 3.0% سنويًا والتضخم العام 2.9% سنويًا، في حين تباطأ تضخم طوكيو في ديسمبر (الأساسي 2.3% سنويًا؛ العام 2.0%؛ باستثناء الغذاء والطاقة 1.5%). وبقي تضخم الخدمات متماسكًا وفق مؤشر أسعار خدمات الشركات (CSPI) عند 2.7% سنويًا. وتحسّنت مؤشرات الأجور بشكل محدود، إلا أن السؤال المحوري يبقى ما إذا كانت المكاسب الاسمية ستتحول إلى استقرار في الإنفاق الحقيقي.

وتقدم مسار التطبيع النقدي مع رفع بنك اليابان سعر الفائدة إلى 0.75% من 0.50%، ما أدى إلى إعادة تسعير ملموسة في العوائد وتشديد الأوضاع المالية. وكانت الصادرات نقطة مضيئة (+6.1% سنويًا) وتحول الميزان التجاري إلى فائض، إلا أن ديناميكيات التدفقات ظلت متقلبة. ويركز شهر يناير على التفاعل بين الأجور وتضخم الخدمات، وتشديد الأوضاع المالية، وقدرة الطلب المحلي على الصمود.

توقعات يناير 2026 في اليابان

تبدأ اليابان يناير 2026 بنمو معتدل لكنه هش، وتضخم لا يزال أعلى من الهدف في مكونات رئيسية، ونظام سياسات يتجه أكثر نحو تطبيع بنك اليابان. وقد رفع البنك توجيه سعر الفائدة إلى نحو 0.75% في 19 ديسمبر، وأكد أنه إذا تحققت توقعاته فسيواصل رفع الفائدة طالما بقيت الفائدة الحقيقية سلبية بشكل ملحوظ. وفي الوقت نفسه، تتعامل الأسواق مع بيئة كلية تتسم بضعف الين، وارتفاع عوائد السندات الحكومية اليابانية، وزيادة الحساسية تجاه التوسع المالي.

على صعيد النمو، تبقى النظرة الأساسية لبنك اليابان «مستقرة لكنها هشة». إذ توصف الصادرات والإنتاج الصناعي بأنهما شبه مستقرين، والاستثمار في الأعمال في اتجاه صعودي معتدل، والاستهلاك متماسك لكنه متأثر بارتفاع الأسعار، في حين يتراجع الاستثمار السكني. والسؤال الرئيسي في يناير هو ما إذا كانت دورة التصنيع/الإنتاج ستنعكس صعودًا في وقت مبكر من الربع الأول. وتشير مسوح توقعات الإنتاج الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة (METI) إلى زيادة متواضعة في ديسمبر (+1.3% شهريًا) يعقبها ارتداد كبير مخطط له في يناير (+8.0% شهريًا). وإذا تحقق ذلك، فسيحسن نبرة النشاط على المدى القريب، وإن كانت الاستدامة ستظل رهينة بالصادرات وديناميكيات الدخل الحقيقي.

وتبدو السياسة المالية داعمة نظريًا. إذ تسعى الحكومة لتحقيق توقعاتها لعام 2026 عبر حزمة تحفيز كبيرة (21.3 تريليون ين)، وتتوقع تحسن الاستهلاك والاستثمار الرأسمالي في السنة المالية 2026 حتى مع بقاء الطلب الخارجي ضعيفًا. غير أن المفاضلة تكمن في أن هذا الدعم قد يحسّن صورة النمو لكنه يزيد حساسية سوق السندات لإصدارات الدين، ما يُبقي الضغط الصعودي على العوائد ويرفع علاوة مخاطر مزيج السياسات.

ولا يزال التضخم فوق الهدف، لكن تركيبة التضخم هي الأهم. إذ يشير بنك اليابان إلى أن مؤشر أسعار المستهلكين باستثناء الغذاء الطازج يدور حول 3%، مدفوعًا إلى حد كبير بارتفاع أسعار الغذاء وتمرير الشركات لزيادات الأجور إلى الأسعار. والمسألة الحاسمة لتسعير يناير هي ما إذا كان التضخم سيتسع ليشمل الخدمات الأساسية واستمرارية مدفوعة بالأجور، أم سيتباطأ مع انحسار آثار الغذاء. ويتوقع بنك اليابان أن يتراجع التضخم باستثناء الغذاء الطازج إلى ما دون 2% خلال النصف الأول من السنة المالية 2026 مع تلاشي آثار الغذاء، ثم يعاود الارتفاع لاحقًا مع تشدد سوق العمل وترسخ التوقعات. وتشمل الإصدارات الرئيسية للتضخم: مؤشر أسعار المستهلكين الوطني (ديسمبر 2025) في 23 يناير، ومؤشر أسعار المستهلكين في طوكيو (القراءة الأولية) في 30 يناير.

ويتمحور ثقل السياسة حول اجتماع بنك اليابان يومي 22–23 يناير وتقرير التوقعات. وحتى في حال تثبيت الفائدة، ستدقق الأسواق في مراجعات التوقعات، ولغة الأجور قبيل مفاوضات «شونتو»، وحساسية سعر الصرف. فضعف الين يدعم الصادرات لكنه يضغط على القوة الشرائية الحقيقية، بينما تبقى تحركات عوائد السندات وتقلبات الين القنوات الرئيسية لانتقال الأثر إلى الأصول عالية المخاطر.

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية محددة بـ *